سورة الروم - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الروم)


        


{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9)}
وقال في الدليلين المتقدمين: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ} [العنكبوت: 19، 67] ولم يقل: {أَوَلَمْ يَسيرُواْ} إذ لا حاجة هناك إلى السير بحضور النفس والسماء والأرض وقال هاهنا: {أَوَلَمْ يَسيرُواْ... فَيَنظُرُواْ} ذكرهم بحال أمثالهم ووبال أشكالهم، ثم ذكر أنهم أولى بالهلاك لأن من تقدم من عاد وثمود كانوا أشد منهم قوة ولم تنفعهم قواهم وكانوا أكثر مالاً وعمارة، ولم يمنع عنهم الهلاك أموالهم وحصونهم، واعلم أن اعتماد الإنسان على ثلاثة أشياء قوة جسمية فيه أو في أعوانه إذ بها المباشرة وقوة مالية إذ بها التأهب للمباشرة، وقوة ظهرية يستند إليها عند الضعف والفتور وهي بالحصون والعمائر، فقال تعالى: كانوا أشد منهم قوة في الجسم وأكثر منهم مالاً لأنهم أثاروا الأرض أي حرثوها، ومنه بقرة تثير الأرض، وقيل منه سمي ثوراً، وأنتم لا حراثة لكم فأموالهم كانت أكثر، وعمارتهم كانت أكثر لأن أبنيتهم كانت رفيعة وحصونهم منيعة، وعمارة أهل مكة كانت يسيرة ثم هؤلاء جاءتهم رسلهم بالبينات وأمروهم ونهوهم، فلما كذبوا أهلكوا فكيف أنتم، وقوله: {فَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ} يعني لم يظلمهم بالتكليف، فإن التكليف شريف لا يؤثر له إلا محل شريف ولكن هم ظلموا أنفسهم بوضعها في موضع خسيس، وهو عبادة الأصنام واتباع إبليس، فكأن الله بالتكليف وضعهم فيما خلقوا له وهو الربح، لأنه تعالى قال خلقتكم لتربحوا علي لا لأربح عليكم، والوضع في (أي) موضع كان الخلق له ليس بظلم، وأما هم فوضعوا أنفسهم في مواضع الخسران ولم يكونوا خلقوا إلا للربح فهم كانوا ظالمين، وهذا الكلام منا وإن كان في الظاهر يشبه كلام المعتزلة لكن العاقل يعلم كيف يقوله أهل السنة، وهو أن هذا الوضع كان بمشيئة الله وإرادته، لكنه كان منهم ومضافاً إليهم.


{ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10)}
كما قال: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى} [يونس: 26] وقوله تعالى: {أَن كَذَّبُواْ} قيل معناه بأن كذبوا أي كان عاقبتهم ذلك بسبب أنهم كذبوا، وقيل معناه أساءوا وكذبوا فكذبوا يكون تفسيراً لأساؤا وفي هذه الآية لطائف إحداها: قال في حق الذين أحسنوا: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى} وقال في حق من أساء: {ثُمَّ كَانَ عاقبة الذين أساؤا السوآى} إشارة إلى أن الجنة لهم من ابتداء الأمر فإن الحسنى اسم الجنة والسوآى اسم النار، فإذا كانت الجنة لهم ومن الابتداء، ومن له شيء كلما يزداد وينمو فيه فهو له، لأن ملك الأصل يوجب ملك الثمرة، فالجنة من حيث خلقت تربو وتنمو للمحسنين، وأما الذين أساؤا، فالسوآى وهي جهنم في العاقبة مصيرهم إليها الثانية: ذكر الزيادة في حق المحسن ولم يذكر الزيادة في حق المسيء لأن جزاء سيئة سيئة مثلها الثالثة: لم يذكر في المحسن أن له الحسنى بأنه صدق، وذكر في المسيئ أن له السوأى بأنه كذب، لأن الحسنى للمحسنين فضل والمتفضل لو لم يكن تفضله لسبب يكون أبلغ، وأما السوآى للمسيئ عدل والعادل إذا لم يكن تعذيبه لسبب لا يكون عدلاً فذكر السبب في التعذيب وهو الإصرار على التكذيب، ولم يذكر السبب في الثواب.


{اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11)}
لما ذكر أن عاقبتهم إلى الجحيم وكان في ذلك إشارة إلى الإعادة والحشر لم يتركه دعوى بلا بينة فقال يبدأ الخلق، يعني من خلق بالقدرة والإرادة لا يعجز عن الرجعة والإعادة فإليه ترجعون، ثم بين ما يكون وقت الرجوع إليه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8